بالرغم من الأرتجال والتخبط..وتغيير الخطه من هجوم لدفاع ..وكثافه تحرك الوحدات..وتوهان بعضها فى الصحراء
عشيه ٥ يونيه ١٩٦٧ كانت القوات المصريه فى سيناء تتكون من خمس فرق مشاه ..الفرقه السابعه مشاه مدعومه بالمدرعات والمدافع تتمركز فى المنطقه بين رفح والعريش..الفرقه التامنه مشاه مركزها أبوعجيله والقسيمه..خلفهما وفى نسق دفاعى تانى تنتشر الفرقه التانيه مشاه مابين جبل لنبى وبير حسنه..وفى الجنوب عند طريق الحجاج أنتشرت الفرقه السادسه مشاه ومركزها الكونتيلا ونخل..الفرقه العشرون مكونه من جنود فلسطينين وضباط مصريون تتركز فى قطاع غزه أبتداء من شمال خان يونس...
لفرقه المدرعه الرابعه -دره الجيش المصرى-كانت وراء المواقع المتقدمه لفرق المشاه تنتشر بين بير جفجافه وبير ثماده للتعامل مع أى قوات معاديه تخترق الخطين الأول والتانى من خطوط الدفاع..
فيما بين الطريق الجنوبى وطريق الجاج..كانت تنتشر قوه مدرعه من مائتى دبابه -أقل من فرقه- وتسمى على أسم قائدها "قوه الشاذلى".. أما الفرقه الثالثه المدرعه -تحت اﻷنشاء- فبقيت غرب القناه..
أجمالى حوالى مائه ألف جندى..
٥يونيو ٩,٣٠صباحا
اﻷوامر للجنرال "صدقى الغول" قائد الفرقه الرابعه المدرعه بالتحرك للدفاع عن القطاع الجنوبى من الجبهه..
اللواء التانى المدرع بقياده الجنرال"كمال حسن على" يتحرك للشرق ويحتل المواقع من الكونتيلا الى المظلات..
٥ يونيو بعد الضهر
الهجوم اﻷسرائيلى جاء من الشمال وليس بالمواجهه كما كان متوقع..
اﻷوامر تصدر للجنرال"على" بسحب اللواء التانى من الفرقه الرابعه المدرعه من مواقعه فى الكونتيلا..اللواء يقضى باقى التهار ومعظم الليل فى أنسحاب منظم ويفقد ثلاث دبابات فقط..
٦يونيو صباحا
الجنرال "الغول" يتسلم امرا باﻷنسحاب بفرقته الرابعه المدرعه الى الخط التانى والتشبث بالممرات.
فجر ٧يونيو
اﻷوامر تصل الجنرال "الغول" تليفونيا من الجنرال" صالح محسن" قائد الجيش ..
"الفرقه الرابعه تنسحب لغرب القناه.. على أن يبدء اﻷنسحاب فى الضهر "
"يافندم الفرقه عمليا سليمه..أنسحب ليه..؟؟وأنسحب الضهر فى عين الشمس..طب أزاى..؟؟كأنى بأقول للأسرائيلين "خلصوا عليا..حيصطادوا الدبابات
"دى أوامر سياده المشير..يمكن محضرلك غطاء جوى.."
"يافندم ..أرجوك..راجع حضرتك سياده المشير..العدو عنده سيطره جويه كامله..لو لابد ننسحب خليها بعد أخر ضوء
"نفذ اﻷوامر ياحضره اللواء
٧يونيو..عند الغروب
نقطه العبور جنوب البحيرات المره..الفرقه الرابعه أتمت أنسحابها من الممرات وتعبر القناه ..تم توزيع وحدات الفرقه بواسطه ضباط اﻷتصال عند العبور..بعض الوحدات تم أرسالها الى اﻷسماعيليه والبعض للقاهره..اللواء التانى أرسل ليعسكر فى حدائق قصر الطاهره بالقبه..
الجنرال "الغول" توجه للتمام فى القياده باﻷسماعيليه..حيث وجد الجنرال "صالح محسن على" التليفون.
لا..لأ..يافندم, الفرقه الرابعه مانسحبتش..دى مجرد وحدات خفيفه اللى وصلت..لا يافندم الفرقه لسه ف الممرات..تمام يافندم..الفرقه لسه محتله الممرات
الجنرال "محسن" يضع السماعه ويلتفت للجنرال"الغول"ويبادره
"أنت ايه اللى جابك هنا؟؟"
"حضرتك يافندم..حضرتك أستدعتنى..حضرتك قلت لى أنسحب..وأن دى أوامر سياده المشير.."
. "اﻷوامر أتغيرت.."
"أتغيرت..؟؟أتغيرت أمتى..؟؟وأزاى ماحدش يقوللى..؟؟"
"أسمع ياسياده اللواء..أرجع..أرجع حالاااا"
"أرجع..؟؟أرجع فين..؟؟"
"أرجع الممرات.."
فقد الجنرال "الغول" أعصابه وصاح مشوحا بيديه..
"الممرات..؟؟أرجع الممرات..؟؟ أنت فاكرنى راكب بسكلته ألف وأدور بيها..؟؟دى فرقه مدرعه يافندم..ظباطك بعزقوها أشى على أسماعيليه وأشى ع الطاهره..أنت فاكر نقدر نتدور ونرجع..أحنا ع الجنزير بقالنا تلات أيام..فين التموين والوقود واﻷهم فين الغطا الجوى..أحنا ماعندناش وقود
"ياسياده اللواء هى دى اﻷوامر..نفذ..!!أنا بأقولك أرجع الممرات..روح نفذ اﻷمر.."
الساعه ٢ صباح الخميس ٨ يونيو ١٩٦٧
البحيرات المره
عربات الوقود وصلت..أعاد الجنود تموين دبابات الفرقه الرابعه المدرعه المتجمعه جنوب البحيرات المره..
الساعه ٤ صباحا
الفرقه تعبر عائده للمرات..وتقابل فى طريق عودتها أعداد هائله من الجنود يجرون أنفسهم فى أعياء..فى اﻷتجاه المعاكس..غربا فى أتجاه القناه..يعانون من العطش الجروح والحروق واﻷرهاق..
الساعه السابعه صباحا
الفرقه تدخل المعركه محاوله الوصول للممرات..بدون غطاء جوى..تم تدمير كل دبابات الفرقه..كان طياروى العدو يطيرون على أرتفاع
شديد اﻷنخفاض حتى أن بعض الجنود أقسموا أنهم شاهدوهم يضحكون.
القتل.. كان يتم بصاروخ لكل دبابه تتبعه دفعه نابلم للقضاء على الطاقم..اﻷتصال مستحيل مع القياده فى اﻷسماعيليه أو السويس..ومركز القياده الرئيسى فى القاهره يبدو وكأنه أغلق أبوابه..
تم محو الفرقه الرابعه المدرعه..
*******************************************************
صباح اﻷثنين ٥ يونيو ١٩٦٧ وقفت على سطح عمارتنا "الشاهقه"فى مصر الجديده ..
صبى صغير أمسك فى يد أمى أشاهد أعمده الدخان تتصاعد من قاعده ألماظه الجويه ومطار القاهره الدولى..
أوحت خيالات الصبا لى أنى شاهدت طائرات العدو وهى تقصف المطار بل أقسمت ﻷبى حين عاد من العمل يومها أنى شاهدت طائره أو أكثر تسقط..
بعدها بأيام سمعت أمى تبكى ورأيت أبى حزين وهم يستمعوا للأخبار..قواتنا فى خط الدفاع التانى..!!
أطل "عبد الناصر" يعلن تنحيه..صرخت أمى وهرع أبى خارج المنزل وبكيت مع أختى الصغيره..شئ بشع حدث ولاأفهمه..
أمتلئ شارعنا الهادى بعده دبابات وحاملاتها وجنود فى ملابس الميدان..تكفلت نساء الشارع بأطعامهم..
كانت أمى تطبخ لهم وهى تبكى..وأنزل أحمل لهم الطعام فيأخذوه ويشكرونا..
أبى كان ينزل لهم بعلبه سجائره البلمونت وبراد شاى أسود تقيل وعده أكواب عند الغروب..
وأنضم له جيراننا..اﻷستاذ أبو النجا وعم لويس والحاج عبد العال صاحب العماره..المشهد كله كان صامت لاكلام ولاضحك..حتى أبى صاحب الضحكه المجلجله كان صامتا..
خالتى أتصلت بأمى لتخبرها أن أخاهم اﻷصغر لم يعد للبيت منذ ٩يونيو..
بعدها بأيام جاء لمنزلنا..فهمت أنه كان يدور فى شوارع ومقاهى القاهره..لايستطيع النوم ولاالعوده لمنزل أخته حيث يقيم
"حاسس أن النار ماسكه ف هدومى" هكذا وصف حاله..
حكى لى اﻷخوان التؤام جيراننا أن أخاهم اﻷكبر ضابط الدفاع الجوى جاء بعد الهزيمه بأسابيع..هرب من معسكر اﻷعتقال فى سيناء ومشى حتى القناه يدله البدو على الطريق..
علمت من أبى أن أحد أبناء عمومتى لم يعد ولم يعد أيضا عدد من شباب قريتنا الصغيره فى الشرقيه..وأنه تم تجنيد أبن عمتى خريج كليه التربيه "رأفت"
ولكن تلك حكايه أخرى...