القداس اﻷسود

Black Mass

By: John Gray

Professor of European Thought at THE London School of Economics....

Black Mass, df. a sacrilegious ritual in which the Christian Mass is performed backwards

قارئ تاريخ مدمن زى حالاتى لايستطيع إلا المقارنه بين أحداث ومسارات التاريخ..وهناك فكره محدده تطفو على سطح دماغى كل فتره ولاأستطيع حسمها

..وهى ببساطه أننا يجب أن نمر بمراحل تطور أوربا فى خروجها من القرون الوسطى للأن..

بمعنى أننا يجب أن نمر بفتره أصلاح دينى ثم فتره تنوير يتم فيها التخلص من قبضه الفكر الدينى والتوجه الى التفكير العقلى ثم ننطلق فى طريقنا

..وهى عمليه كانت شاقه جدا دمويه ومكلفه فى تاريخ أوربا..فهل كٌتب علينا دفع نفس اﻷستحقاق التاريخى؟؟!!.

.تلك الفكره كل فتره تجد مايبررها

..من أسابيع كنت أقرء روايه أسم الورده للكاتب والمؤرخ اﻷيطالى أمبرتو إيكو..وعززت مناقشات الروايه اللاهوتيه تلك الفكره أننا يجب أن نمر بنفس المسار التاريخى ﻷوروبا..

وقبلها ملاحظه وجدتها فى مدونه الدكتور ضياء الجاده

على لسان جونتر جراس اﻷديب اﻷلمانى "لقد كان من حسن حظنا أننا عايشنا عصري النهضة والتنوير، وعشنا معهما عملية مؤلمة، جلبت لنا طائفة من الحريات لا تزال إلي الآن عرضة للخطر. أما العالم الإسلامي فلم يعش مثل هذه العملية، فهو يمر الآن بمرحلة تطور مختلفة، وعلينا أن نحترم هذا"!!!!

أظن مافيش يعد كده مفكر فى حجم جراس يقول تقريبا نفس الفكره

..مش أسكت.

.ﻷ..لابد من أعاده فحص الفكره.

.وبالذات أنها تصطدم بملاحظه عميقه لكارل ماركس

"التاريخ لايعيد نفسه..وأن فعل فى المره اﻷولى تكون مأساه وفى الثانيه كوميديا.".

التاريخ عمليه معقده جدا شديد الديناميكيه..مرور أوربا بلحظه تاريخيه محدده يغير من معطيات اللحظه التاليه لها تماما وبالتالى لايمكن توقع نفس النتائج حتى لو تشابهت المعطيات

..علوم الفيزياء والرياضيات الحديثه تؤيد ملاحظه ماركس العبقريه..أشياء مثل نظريه الفوضى أو تأثير الفراشه..حيث تؤدى تغيرات بسيطه فى المعادله الى نتائج شديده اﻷختلاف.

. هنا يأتى كتاب القداس اﻷسود لتنفجر فى عقلى تلك اﻷشكاليه..كانت دماغى تغلى بها وقررت أن أؤجلها حتى أجلس وأفكر فيها على رواقه وقدمى ملفوفه وممده أمامى..
والسطور التاليه هى مجرد تفكير بصوت عالى

..الكتاب صعب مركز وموجه للمثقف اﻷوربى فوق العادى..بمعنى أنه يفترض فى قارئه ألمام كامل باﻷحداث التاريخيه فى أوربا وبتاريخ اﻷفكار أيضا

..المهم.

.فكره المدينه الفاضله أو مملكه السماء هى أساسا أفكار دينيه وجدت طريقها الى التقاليد اليهود-مسيحيه من خلال تأثيرات ديانات الشرق اﻷوسط..

فكره نهايه الزمان أول من نادى بها النبى اﻷيرانى زرادشت ووجدت طريقها الى اليهوديه المتأخره فى مخطوطات البحر الميت..ومنها الى المسيحيه..المعركه اﻷخيره بين قوى الشر وقوى الخير..تنتهى بأنتصار قوى الخير..الرب اﻷله..ثم سنوات طويله من السلام تعيشها اﻷنسانيه

كارن أرمسترونج تقدم عرض خلاب لتلك الفكره فى كتابها الممتع

The Great Transformation

..المسيحين اﻷوائل كانوا جميعا يعيشوا تحت تأثير فكرة اننا نحيا آخر الزمان وعودة المسيح قريبه جدا..وبالتالى فمملكه السماء والسلام النهائى فى متناول اليد....فى نهايات القرون الوسطى هزت أوربا حركات تمرد مسلحه كان يقودها قديسين ومتنبأين صادقين لهذا الحد أو ذاك كانت تلك الحركات تحمل خليط من أفكار نهايه الزمان "اﻷلفيه" وقرب موعد مملكة السماء أو المدينه الفاضله..

تلك الحركات الدينيه تميزت بالعنف الشديد..وأستدعت عنف أشد لقمعها سواء من قبل الكنيسه الكاثولوكيه أو من قبل السلطه الزمانيه ممثله فى اﻷمبراطور ..

غرقت أوربا فى الدم عقود طويله..حركات دينيه تدعو للفقر وترك الدنيا وأخرى تأخذ الموضوع خطوه منطقيه أخرى بقتلها للأغنياء..وحرقها المدن الثريه..جيوش تدافع عن المدن وتحرق القرى..

تلتها الحروب الدينيه بين الكاتوليك والبروتستانت..والتى راح ضحيتها مثلا تلت سكان ألمانيا..

حتى مل الجميع..وتزامن ذلك مع بدايات عصر التنوير...ورغم اﻷعتقاد السائد أن التنويريون فى معظمهم كانوا ملحدين وتركوا الدين ورائهم تماما ألا أن العديد من أفكار نهايات القرون الوسطى وجدت طريقها بشكل جديد متحول لأفكار التنوير..تم أستبدال مفهوم ميتافيزيقى هو اﻷله بمفهوم آخر ينعته "جراى" بالميتافيزيقيه هو اﻷخر وهو العقل.

.العقل تحول الى أله جديد غيور بل أشد غيره من يهوه..لايقبل شريك..مملكة السماء نزلت الى اﻷرض..الغرور الذى صاحب صعود مفهوم العقل فى الفكر اﻷوربى أستدعى فكره أخرى شديدة الخطوره

..يمكننا خلق المدينه الفاضله هنا على هذه اﻷرض..يمكننا تغير البشر وتحويلهم ألى كائنات أفضل.

.فكره نهايه الزمان هى اﻷخرى تحولت الى أيقونه فكريه تطل برأسها كل حقبه بشكل جديد.

.أول من حول تلك اﻷفكار الى برنامج سياسى وحركه سياسيه هم اليعاقبه أثناء الثوره الفرنسيه الرغبه فى تغير الناس الى "اﻷفضل" أستعمال العنف واﻷرهاب المنظم كوسيله لهذا التغير أول من مارسها هم اليعاقبه..وجلهم من مثقفى التنوير.

.بعدها كان البلاشفه هم من طور فكرة أستعمال اﻷرهاب المنظم لخلق اﻷنسان الشيوعى السوبر الجديد كما عبر عنه بوضوح ليون تروتسكى..النازى وفكرتهم عن الجنس النقى حامل أفضل مافى البشريه ونفيى صفه البشر عن اﻷجناس "اﻷقل"..الرايخ التالت الذى سيبقى ﻷلف عام هى تعبير حديث عن فكره نهايه العالم اﻷلفيه.

.دخول أوربا العصر الحديث كان فعل عقلى منظم ولكنه عنيف جدا وتمنه وتكلفته البشريه عاليه..

حتى تلك اللحظه لازال الغرب يدور فى فلك نفس اﻷفكار..نهايه العالم أو نهايه التاريخ كما عبر عنها فوكوياما..

محاوله تغير العالم ونشر الديموقراطيه ولو بالعنف واﻷرهاب المنظم -كما هو حادث اﻷن فى العراق-.وتحويله إلى عالم أفضل..بناء عن تصور مسبق هو خليط من أفكار عصر التنوير والمسيحيه الجديده والنيوليبراليزم

.الكاتب يتنباء بهزيمه الدفعه اﻷخيره ﻷوربا والفكر اﻷوربى فى هذا اﻷتجاه فى شوارع بغداد والفالوجا..

يتبع