Tuesday, February 13, 2007

مع السندباد مبحراُ فى الزمان

د."حسين فوزى "على بالى منذ عده أيام تذكرته وأنا أستمع الى السيمفونيه الخامسه لبيتهوفن..ثم ذكرته فى تعليق عند د.أسامه..وظل يتابعنى خياله ..فللرجل مكانه خاصه فى قلبى وعقلى وروحى فلعل كتابه" سندباد عصرى" أول قراءاتى الجاده وأنا اختل بين الصبا والمراهقه.. وتوالت بعدها القراءات... سواء فى مقالاته باﻷهرام أو مجمعه فى كتب.. وطوال السبعينيات كنت اتعلم فن اﻷستماع للموسيقى الكلاسيك على يديه من خلال شرح وتحليلﻷهم اﻷعمال الموسيقيه فى زاويته بأذاعه البرنامج الثانى... وﻻزال صوت "دحسين فوزى" ولغته العربيه الراقيه ..وأسلوبه المتميز فى الحديث ..يتابعنى حتى هذه اللحظه حين أستمع لعمل ما تعلمت على يديه فن اﻷستماع أليه ..وبالذات أعمال "بيتهوفن".. من السيمفونيه الخامسه للتاسعه- أجمل و أكمل عملان موسيقيان كما اسماهما الدكتور بالترتيب-... للأمبراطور كونشيرتو البانيو واﻷوركسترا رقم خمسه .. حتى السوناتات والرباعيات.. فالرجل كان -وعلى حق - "مولع ببيتهوفن " وقد دفعنى هذا الى أن امد يدى وأقلب فى كتاب للدكتور حسين فوزى -وهو من الكتب القليله باللغه العربيه التى حرصت على حملها معى الى المهجر- سندباد مصرى... الكتاب رحله عاشق فى تاريخ مصر اﻷلفى الطويل ..يقراءه بحب وعشق ...عينه على المصريين العاديين ﻻالملوك والحكام من فراعنه لبطالسه.. من ولاه لمماليك ..بل ينالهم منه سخريه وأستهزاء جديره بمصرى قاهرى من مواليد قاهره المعز..
أدركت من شئون بلادى وبعض أمور العالم مايدركه غلام عند أعلان الحرب العالميه اﻷولى.. وعشت فى خضم ثوره ١٩١٩ طالبا ..وراقبت أعقابها بعقل شباب المدارس العليا.. حتى غادرت البلاد عام ١٩٢٥ أتابع تعليمى.. وغبت عنها خمس سنوات عشت أثنائها مع أهل الغرب بعقليه أوربيه وقلب مصرى ..وعودتنى حياتى العلميه فى مصر والخارج أن لاأصدر حكما قبل أن أتبين اﻷمور بكل ملابساتها ..وعرفت أن الحقيقه فى مسائل الرأى بعيده المنال على العكس من بعض المسائل العلميه التى تقوم على قوانين الطبيعه كالبديهيات الرياضيه أو المؤسسه على الفحص المباشر وتسجيل الملاحظات " ثم مستدركا "أقول بعض المسائل العلميه ﻷنه حتى العلم لا يقف عند حدود الوصف التشريحى والتسجيل الموضوعى وانما يتقدم بخطوات يعمل اﻷستقراء فبها عملا كبيرا فتجرى على العلم أحكام سرمديه ﻷن العقل يخطئ كما يصيب"
هكذا يقدم لنا د حسين فوزى نفسه أبنا وفيا لثوره ١٩١٩ نتاج صراع اﻷفنديات تلاميذ المدارس العليا ضد اﻷستعمار واﻷستبداد طالب العلم فى اوربا الخارجه من مفرمه اللحم المسماه الحرب العالميه اﻷولى وقد قلت ثقتها بنفسها وتلفتت تبحث عن أجابات لما حدث وهى تلعق جراحها..
رؤيه الدكتور للمصريين رؤيه متميزه فهم بناه حضاره وصناع حياه تاريخهم الطويل عباره عن بناء وتعمير أما "غزاتهم ﻻيريدون منهم اﻻ أن يظلوا البقره الحلوب فهذا اﻷمبراطور الرومانى طباريوس يكتب لعامله "أرسلتك لتجز صوف الغنم ﻻلتسلخ جلده " وهذا الخليفه الراشد يفرح بزياده الخراج على يد الوالى الذى أرسله بعد أقاله عمروبن العاص وينادى على فاتح مصر ليقول له "لقد درت اللقحه بعدك ياعمرو " فيجيبه القائد الكبير القلب "نعم ولكن أجاعت أوﻻدها" "وبتوالى الغزاه كان لسان حالهم يقول "نتوكل بأمر الحرب والضرب ونتولى عنكم أيها المصريون صناعه الحرب ......حرفتكم بناء القصور والمعابد والمدارس والمساجد والخوانق والترب ..نسج الحرير والكتان والتكفيت والتذهيب والنقش.. وحرفتنا الحكم والظلم والأستيلاء ..صناعتكم ـ ياأولاد مصر- هى الحضاره والتعمير وبس!!"
وهو يبحر فى هذا التاريخ اﻷلفى رحله شيقه.. مثيره ..محزنه.. فى الوقت نفسه.. فهو يطنب فى كارثه الغزو العتمانى لمصر وخراب الديار المصريه فقد تدهورت من قلب العالم اﻷسلامى وعاصمه الخلافه -ولو أسميه -الى مجرد آياله تركيه منسيه وينقل عن ابن أياس قوله عن عام ٩٢٣ هجريه " ومن العجائب أن مصر صارت نيابه بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين فى سائر البلاد قاطبه" وحمل أبن عتمان معه ماأستطاع من خيرات مصر الماديه ماﻻيحصى "وحملت مراكب سليم بن عتمان حتى الشبابيك الحديد والطيقان واﻷبواب والسقوف وحمل سليم معه بطريق البر على الف جمل أحمالا من الذهب والفضه والتحف والسلاح والصينى والنحاس المكفت ..........وخرج جماعه من المباشرين وبعض نصارى من كتاب الخزينه ومن جماعه البزدداريه والرسل - وهؤلاء هم زبده البيروقراطيه المصريه أنذاك وعماد الدوله المملوكيه- وأرباب الصنائع من كل فن وشيخ سوق الغزل والزردكاشيه والسيوفيه والصياقله .....ومقدمى السقائين والنجاريين والمرخمين والمبلطين.....حوالى الفى نفس....وبطلت من القاهره نحو خمسين صنعه..!!!!
د.حسين فوزى نسيج متفرد بين مثقفى مصر رواد التنوير فى الفتره الممتده من اول القرن العشرين حتى منتصفه.. فدراسته علميه.. خريج طب.. درس علوم اﻷحياء المائيه فى أوربا.. ويعترف أنه قفز على هذه البعثه كسبب للسفر ووسيله للتعرف عن قرب ومعايشه الحضاره الغربيه.. وعمل كباحث بحرى وكتابه اﻷول "سندباد عصرى" هو تلخيص طريف لرحلته على ظهر سفينه أبحاث فى البحر اﻷحمر فبحر العرب وحول القرن اﻷفريقى حتى الهند... وكتاباته فى أدب الرحلات منذ كتابه اﻷول هذا حتى أخركتاباته -عن رحلته بالسياره من فرنسا حتى القاهره مخترقا أسبانيا ثم المغرب فالجزائر وباقى شمال أفريقيا -كتاباته تلك كنز من المعلومات والحقائق تضيف لقارئها وتدعوه للتأمل والتفكير ...ولعله كان يرى فى نفسه كامتداد لما فعله محمد على حين أرسل "بعثات عسكربه أو هندسيه أو علميه أو طبيه أعضاؤها من المتمصرين أو من المصريين.. ﻻشك فى أن تلك البعثات قد وهبت مصر رفاعه الطهطاوى كما وهبتها على مبارك ومحمود الفلكى ونخبه من "الحكماء والجرايحيه والكحالين ".....وللباحث فى تطور المجتمع المصرى أن يدرس أثر أولئك العظماء ..وان يتعمق الدراسه وهو يترجم لهم بدل أن يضيع وقته وجهده فى تحليل حياه محمد على وسعيد واسماعيل مدحا أو قدحا.. ﻷن القليل الذى عرفته مصر فتحولت عن غفلتها جاء بتفكير أولئك الفلاحين الذين أوفدوا الى فرنسا فى القرن التاسع عشر ونتيجه تأثرهم العميق بما شاهدوه وخبروه من آثار الحضاره اﻷوربيه"
"د.حسين فوزى" واحد من أروع ثمار الليبراليه الوطنيه المصريه يفخر بمصريته ويحاول أن يعمق فهمه لهاوهو قارئ جيد للتاريخ كما يدل كتابه '' سندباد مصرى"
وفى لحظه يتسائل.."متى شعرت وأنا أطالع التاريخ المصرى بأننى أعيش بين عشيرتى وبنى وطنى من أهل القرون الغابره؟ حدث هذا وأنا أطالع التاريخ المملوكى و ماتلاه بطبيعه الحال.فمهما كان فهمى وأحساسى بحضاره أجدادى الفراعنه وجهاد أسلافى المسيحيين ومهما كان أدراكى لمعنى دخول مصر فى حوزه اﻷسلام فأننى لم أحس أحساسا عميقا بحوادث تاريخى بقدر ماأشعرنى به التاريخ المملوكى ....ومع كل هذا ومهما أستنكر اﻷنسان تاريخ المماليك الدموى فأنه ﻻيتمالك (ألا) أن يحن الى لحظات باهره تدين لهم بها مصر فى تاريخها الطويل فأن دوله كدوله الظاهر بيبرس أو الناصر محمد بن قلاوون أو اﻷشرف قايتباى ﻻيمكن الا أن تثير فى نفوسنا اﻷعجاب وغير قليل من الزهو بأولئك اﻷجناد المبرزين حققوا لمصر أمبراطوريه أمتدت حتى نهر الفرات وجبال طوروس شماﻻ وحتى بر اليمن وحضرموت والنوبه جنوبا وحتى آخر بلاد برقه غربا ...تلك الدوله المنيعه التى وطد دعائمها وأوسع فى رقعتها وصد عنها الصليبين والتتار خليط عجيب من الناس نشأوا فى دهاس آسيا الوسطى وحول بحر قزوين وفى بلاد القوقاز ووادى نهر الفولجا والدون وضفاف بحر البلطيق وبيعوا أطفالا فى أسواق النخاسه ....دوله دامت أربعه قرون عزيزه الجانب يخطب ودها الديلم والفرس والتتار والسلاجقه والروم والبنادقه واﻷمالفيون والجنوفيون وسائر الفرنجه تحيا فى حدود نظم ومراسيم ثابته أﻻ فيما يختص بوﻻيه السلطنه.......وهذا ديوان رسائلها شاهد على كثير من هذه النظم والشعب المصرى يستفئ ظلال هذا النظام فى زراعاته وتجارته وصناعاته وفنونه........حتى لحظات اﻷضطراب لم تكن تخلو من رومانتيكيه أذا أستوحيناها على البعد عندما ترمح فرسان المماليك من هنا وهناك فى كبكبه وصليل وصهيل ...."ولكن هذا اﻷعجاب ﻻيحجب عنه مدى تعاسه المصريون وتعرضهم للسلب المنظم على يد حكامهم وللتدليل على ذلك يقول لنا السدباد "أنما عثرت لك على حسبه بسيطه من صدر الدوله المملوكيه فى عهد السلطان المنصور "حسام الدين ﻻجين" فى أواخر القرن السابع الهجرى (٦٩٧ هجريه) وتقول هذه الحسبه... بأن الروك الحسامى قسم مصر الى أربعه وعشرين قيراطا.. أربعه للسلطان.. وعشره للأمراء.. واﻷطلاقات وعشره للجند ...!!!ولكن أين نصيب الشعب المصرى من هذه المعادله..هل عرفت نصيب الشعب المصرى من خيرات أرضه ونيله وشمسه ؟؟ أنه القيراط الخامس والعشرين ومكانه .....مملكه السماء !!"وماأشبه اليوم بالبارحه
وللحديث بقيه

3 comments:

أبوفارس said...

أهداء خاص للعزيز"شريف" صاحب مدونه" العداله للجميع" الممتعه..أحسن شكله لسه زعلان منى..ود.هيثم جارالقمر.."سافروا..تتعلموا..!!" وطبعا للموسوعه المتحركه د.أسامه..ود.وليد العقل الخالص وكل اللى زرنا وصلى ع النبى...صباح الجمال والكمال...خالد

Ossama said...

الف شكر على الاهداء يا دكتور خالد
بس انا ليا عتاب عليك
الباشمهندس شريف اصله غاوي اباحة ويقولك الحكومة بتعمل مش عارف ايه والمعارضة ايه
فيعني تهدي له التدوينة تعوده على الاباحة
لكن خلاص
طبعا انا بهزر لان شريف صديق عزيز
وربنا يديله على اد نيته


تدوينة هامة جدا يا دكتور
بص للاستعارة دي
".وخرج جماعه من المباشرين وبعض نصارى من كتاب الخزينه ومن جماعه البزدداريه والرسل - وهؤلاء هم زبده البيروقراطيه المصريه أنذاك وعماد الدوله المملوكيه- وأرباب الصنائع من كل فن وشيخ سوق الغزل والزردكاشيه والسيوفيه والصياقله .....ومقدمى السقائين والنجاريين والمرخمين والمبلطين.....حوالى الفى نفس....وبطلت من القاهره نحو خمسين صنعه..!!!! "واخد بالك من من بعض نصارى
والدور الوظيفي؟؟؟
يعني يا ريت تقول الموضوع ده لصديقنا العزيز المعترض على فكرة الجماعة الوظيفية
تحياتي يا جميل
انت مقريتش السيناريو ولا ايه؟؟

أبوفارس said...

لماح كالعاده يادكتره..لفتت نظرى بشده تلك العباره..ولذلك وضعتها فى البوست..ربما كتأكيد لما نتحدث عنه..