من سنوات طويله سمعت عن روايه أسمها "موسم الهجره إلى الشمال.."أيامها كنت أقرء كالمجنون..أسهر طوال الليل ﻷنهى روايه..أدس أنفى فى كتاب أثناء ركوبى المترو من مصر الجديده لرمسيس..كتاب يسلمنى ﻵخر..وكاتب يدلنى على مؤلف..قراءه شظويه كما أسماها مختار العزيزى..ولكنها كانت هامه جدا أيامها..أذكر نقاش حاد دار بينى وبين أحد الرفاق الماركسيين أيامها حول نفس الموضوع..القراءه الممنهجه أم القراءه الكشرى كما أسماها..وذلك حين أمتدحت أمامه بعض ماكتب د.لويس عوض...الطريف أن اﻷستاذ عادل حسين رحمه الله -فى فترة توجهه اﻷسلامى- نهرنى هو اﻵخر حين طلبت أستعاره أحد كتب د.عوض من مكتبته...وكان الحوار بيننا أخفض صوتا وإن لم يقل حده...المهم سمعت عن اﻷديب السودانى من صديق..وبالصدفه وجدت تقريظ للروايه فى مقال أظنه لرجاء النقاش أن لم تخنى الذاكره..وبدأت رحلة البحث عن "الموسم..." حتى وجدتها لدى صديق من ناشطى الحركه الطلابيه فى السبيعينات...وحين طلبت أستعارتها شخر لى -حرفيا- وقال أن تلك الروايه لاتخرج من بيته ولو لملاك آتى من السماء...كانت طبعة روايات الهلال وغير موجود غيرها أيامها..وطبعا لانت ولايحزنون..أحنا فى منتصف السبعينات..فجلست على مقعد وأمسكتها وعقابا له أنهيت رواية الطيب صالح "موسم الهجره إلى الشمال" فى جلسه واحده أستمرت حتى ساعات الصباح اﻷولى
.حين خرجت من عنده سرت حتى منزلنا..حوالى الساعه..ودماغى تغلى مما قرأت...لاأظن أن عملا فنيا أو كتاب قرأته فعل بى مثل هذا...ربما ﻷنى قرأتها نفس واحد..ربما لحماسى الشديد أيامها وأشتعال الروح والعقل والظماء الذى لايرتوى للمعرفه
.ولكن وحتى اﻵن وبعد أن أمتلكت نسختان للروايه عربيه وأخرى مترجمه للأنجليزيه..كلما طلب منى أحد الكنديين هنا من غير العرب حاجه تنفع مدخل للتعرف باﻷدب العربى أعرته "الموسم.." ومعها "اللص والكلاب" لسيدنا محفوظ..وفى كل مره جائت النتيجه لصالحنا تماما
حتى اﻷن أظن أن "الموسم.." شكلت جزء هام من تركيبتى العقليه والنفسيه..لايوجد لدى أحساس بالدونيه أو الهزيمه أمام الحضاره الغربيه...أتعامل مع الغرب كأفراد وكثقافه أو حضاره بثقه..وأظن عندى القدره على تكوين صداقات حقيقيه معهم رجالا أو نساء...ولاأدعى التفوق ﻷنى أحد أبناء الفئه الناجيه من النار من ناحيه ولامعرفه سر الخلاص من ناحيه أخرى
الموسم... جزء من فصيله أدبيه نستطيع وضع عنوان لها لقاء الشرق بالغرب...بدأت ربما من الطهطاوى وكتابه تخليص اﻷبريز... فعصفور من الشرق للحكيم.."أوراق العمر" د.لويس عوض..ورائعه غازل الدانتيلا يحيى حقى قنديل أم هاشم..سهيل أدريس والحى اللاتينى..أهداف سويف وعين الشمس..كابوسيه رشيد بوجدره -الجزائرى- طوبغرافيه..وغيرهم....ولكن تظل "الموسم.." أبقاهم فى عقلى ووجدانى
بعد سماعى بوفاة الطيب صالح ..تذكرته حين جلست فى النادى اﻷدبى بجده أستمع أليه وهو ينتقل فى الحديث من اللهجه السودانيه..لعاميه بسيطه..وصبره الواضح على سخافات بعض الحضور من مرتدى قصير الجلباب ومطِلقى-بالكسره- اللحى ومٌطلقى -بالشده- العقل والذوق...وترحما عليه أعدت قراءه "الموسم..ربما للمره العاشره...ﻷستعيد أنبهارى بها شكلا وبناء ومضمونا
.........
هناك مثل هنا، ليس احسن ولاأسوء، ولكننى من هنا ،كما ان النخله القائمه فى فناء دارنا، ولم تنبت فى دار غيرها.وكونهم جاؤوا الى ديارنا، لا أدرى لماذا ؟هل معنى ذلك ان نسمم حاضرنا ومستقبلنا؟ انهم سيخرجون من بلادنا ان عاجلا او آجلا ،كما خرج قوم كثيرون عبر التاريخ من بلاد كثيره ،سكك حديد، والبواخر ،والمستشفيات، والمصانع، والمدارس ،ستكون لنا ،وسنتحدث لغتهم دون احساس يالذنب ولااحساس يالجميل، سنكون كما نحن قوما عاديين، واذا كنا اكاذيب فمن صنع انفسنا
.....
رحم الله الطيب
رحم الله الطيب
****************
لينك للروايه نفسها