رغم كل تلك السنين وكل تلك السفريات..كل تلك الطائرات التى ركبتها وتلك المطارات التى مررت من بوابتها..البلاد والقارات التى عبرتها
..لازلت أتوتر قبل السفر
..أحس بحراره فى جسمى وغصه فى حلقى..خفقان فى القلب..وفراشات ترفرف فى معدتى -كما يقولون باﻷنجليزيه- توتر الوتر فى القوس قبل أنطلاق السهم..ماأن أضع حقائبى -كانت واحده شبه خاليه تلك المره- على سير المطار وأستلم البوردنج كارت..تعترينى سكينه وهدوء أشبه بسكينه الصوفى..فقد أنجزت الجزء المطلوب منى..وجئت فى موعدى
..أسلم نفسى لماكينه عملاقه متعدده التروس رشيقه متناهيه الدقه لتحملنى من هنا إلى هناك
..فى رحلتى هذه من أوتاوا إلى القاهره..كنت على شركه الطيران اليونانيه..من أوتاوا إالى مونتريال بأتوبيس فاخر..الرحله ساعه ونصف
من مطار "بيير ترودو" فى مونتريال إلى أثينا..واحده من أحب مدن الدنيا إلى قلبى..عشر ساعات..قضيتها نائما
وأنا مابين النوم واليقظه وفيما يشبه الحلم كنت أفكر كيف أنى أسلمت نفسى لتروس تلك اﻵله العملاقه
ماحجم المجهود البشرى الخارق الذى سخر لنا هذا السفر..كل خطوه ورائها عشرات بل ألوف البشر يعملون ويكدحون..عقول عبقريه صممت وصنعت الطائره تراكم معرفى ﻷجيال أفنت حياتها جيل وراء جيل فى محاوله للوصول
إلى الكمال..مطارات أبراج مراقبه أرضيه محطات توجيه
دقه متناهيه فى التنفيذ..عشرات بل مئات الطائرات تعبر اﻷطلنطى كل يوم..فى كل لحظه تتقاطع خطوط السفر..لاهذا مدرك لذلك ولاذلك سابق لهذا..سيمفونيه محكمه من الحركه..الجمال الرياضى والكمال فى اﻷداء
..نزلت فى مطار أتينا فى التامنه صباحا بالتوقيت المحلى ليستلمنى ترس آخر فى الماكينه
كونتر اﻷوليمبيك يعطينى أقامه فى فندق بأتينا ومعه وجبتى طعام..تكفل الباسبور الكندى بحصولى على تأشيره دخول ﻷوربا فى ثوان..خرجت من المطار وتركت خلفى حمله الباسبورات المصريه واللبنانيه وحتى السعوديه ليتمددوا على كراسى المطار الغير مريحه ١٨ ساعه هى وقت أنتظار رحلات الشرق اﻷوسط
..فهناك باسبورات تدخلك الجنه..وأخرى تلقى بك الى الجحيم
ماأن وصلت الفندق ألتهمت وجبه الغداء مبكرا..وسألت الفتاه اليونانيه فائقه الجمال فى "الفرنت ديسك "كيف أصل لقلب أتينا؟؟
المترو أفضل وسيله..تاخد رقم ٥ من هنا أول محطه حتى أخر محطه فى رحله ممتعه حوالى ٤٠-٤٥ دقيقه لميدان الدستور..تشاهد الساحل كله وتستمتع بالمناظر..
آآآآآآآآه
ميدان الدستور والبلاكا تحت ظلال اﻷكروبوليس
..سقاكم الغيث آذا الغيث هما
..ياللذكريات
..الحب والجمال..فوره الشباب وعطش الجسد..اليقين واﻷمل
العمر الممتد بلا نهايه
آآآآآآآآآه
لم أذهب إلى اﻷكروبولوس..زرته عدة مرات
أرغب فى المشى بالشوارع المحيطه بالميدان العتيق حاوى قبر الجندى المجهول ومبنى البرلمان..كنت هنا من قبل..شاهدت تغير الحرس وأطعمت الحمام السارح حوله..أرتشفت القهوه هنا..لاتخطئ وتقول قهوه تركى أسمها هنا قهوه جريجى..وألا
كنت أود العب من روائح الذكريات..تركت الميدان خلفى وبدأت السير فى شوارع أعرفها معرفتى بشوارع مصر الجديده..اليوم اﻷحد المحال والبوتيكات مغلقه..أستمريت فى السير
وصلت البلاكا..الحى القديم..المنشيه فى اﻷسكندريه..أو الحسين فى القاهره سان ميشيل فى باريس..أو الميناء فى برشلونه..سوهو فى لندن..أو سانت كاترين فى مونتريال
الزحام..الوجوه المبتسمه والمٌتعبه..الروائح..الشواء والعطور والقهوه الطازجه
..الزحام ثانيه
البشر هم روح المكان أى مكان..هم خالقوا الجمال وهم من يتذوقه..والشوارع كانت ممتلئه بالبشر فى بعد ظهر يوم اﻷحد الشتوى المنعش الجميل
..جلست على مقهى ومددت قدمى أريحها..سألنى شاب أسمر باليونانيه
..هززت رأسى وأجبت باﻷنجليزيه قهوه قويه..سألنى من أين قلت مصرى
..أجابنى باللهجه الفلسطينيه
..مراحب..
أحضر القهوه ومطفأه للسجائر..تحسست جيوبى..اللعنه نسيت سجائرى بالفندق..عاد بعلبته ووضعها أمامى..سحبت واحده وأنا أتذكر ماكان يقوله أبى "من يخاف الكرم ..بخيل
وقف بجوارى تجاذبنا أطراف الحديث..وكان يجب أن أحلف عليه ليأخذ تمن القهوه..وأصًر على أن أحتفظ بسيجارتان لزوم الدماغ كما قال مبتسما
..يامراحب
مصريون يعملون فى المقاهى والمحال رأيتهم فى كل مدن أوربا..من نيقوسيا ﻷمستردام
..أشتريت مسبحتان واحده سوداء وأخرى بنيه..وعقد بسيط لساره أبنتى..وأحتفظت ببعض العملات المعدنيه لفارس أبنى
درت فى الشوارع
..فندق ألكترا..فندق اﻷولمب..أين أنت..؟؟
هاهو ذا لازال هناك دخلت نفس المدخل كما هو..أصابنى دوار بسيط وتنميل..وخرجت قبل أن أغرق فى تسونامى الذكريات
ركبت الترام عائدا للفندق..وأنا أتأمل المدينه وهى تستعد للنوم..وتتأهب ﻷسبوع عمل جاد.
.جالست مجموعه من اللبنانين فى كافتيريا الفندق منتظرين أتوبيس اﻷوليمبيك يحملنا للمطار..كانوا خلطه لامحل لها من اﻷعراب..شيعى ودرزى..مارونى وروم أرثوذكس..سنى وكاثوليك.
.وأنا
وطبعا تكلمنا فى السياسه وطبعا أختلفنا وطبعا تصايحنا على بعضنا البعض وطبعا سألونى عن أخر نكته سمعتها..وطبعا أتحفتهم بأخر ماأخرجته الغرز المصريه..وطبعا ضجوا بالضحك..
جاء اﻷتوبيس..وصلنا المطار..أحتضنا بعضنا البعض وتباوسنا ودعونا لبعضنا البعض بسلامه الوصول..وحًملنا بعضنا البعض السلامات ﻷهل وأصدقاء لم نرهم ولانعرفهم.
.وأسلمت نفسى لترس آخر فى الماكينه العملاقه ليحملنى ألى القاهره
..أسما وفعلا