Sunday, November 12, 2006

!!...البترول الذى تأكله أمريكا

***الزراعه فى التحليل الاخير هى عمليه تحويل للطاقه... تقوم النباتات فيها بأقتناص الطاقه الشمسيه بواسطه ماده الكلوروفيل الخضراء وتحولها -بالاضافه لعناصر أخرى من التربه- الى اشكال أخرى من الطاقه البيولوجيه.. نقوم نحن بنى البشر بأستهلاكها للبقاء على قيد الحياه والتكاثر ..وكأى عمليه طبيعيه يمكن حسابها بدقه... فى اساليب الزراعه التقليديه إذا قام الفلاح وبمعاونه حيوانات الحقل ومعداته البدائيه بأنفاق قدرمعين من الطاقه -حوالى 1000 سعرحرارى يوميا -الناتج من عمله يجب ان يكون اكثر من هذا لتصبح عمليه الزراعه عمليه مربحه بيولوجيا ...*** من ناحيه أخرى يتم اقتطاع جزء من هذا الناتج لاعاشه أفراد أخرين لايقوموا بالزراعه بأنفسهم ولكن وجودهم ضرورى لحياه ورفاهيه المجتمع ..كالكهنه والحرفيين فالملوك والحكام ثم الجيوش المحترفه... وحركه المجتمعات عموما هى محاوله تعظيم الناتج من عمل فرد واحد فى الزراعه.. وتعظيم الفائض المستقطع من مجمل قطاع الزراعه ككل..بمعنى آخر ان الالف سعر حرارى التى ينفقها الفلاح التقليدى يوميا يجب أن يكون مردودها عده أضعاف ذلك لابقاءه هو وعائلته على قيد الحياه واقتطاع جزء يكبر او ينقص لصالح المجتمع..***ويظل مقياس تقدم المجتمعات حتى يومنا هذا ..زياده إنتاجيه القطاع الزراعى وتضخيم المستقطع منه لاعاشه سكان المدن من باقى افراد المجتمع والمنغمسين فى انشطه قتصاديه وحضاريه غير الزراعه... فى المجتمع الامريكى قمه المجتمعات الانسانيه حاليا عدد السكان القائمين بالزراعه لايتجاوز4 % من مجموع السكان... يصل الى مالايزيد عن 10 % فى باقى المجتمعاتا لمتقدمه فى واوروبا وكندا...فأين نحن الان ...??الاجابه عن هذا السؤال تتضمنها مقاله- دراسه طويله نشرت فى مجله هاربر Harper's Magazine وهى مجله أمريكيه رصينه تصدرفى نيويورك منذ عام 1850 ;الكاتب ريتشارد ماننج Richard Manning خبير فى اقتصاديات الزراعه وله عده كتب فى نفس الموضوع ...عنوان اامقال "البترول الذى نأكله" The Oil We Eat والعنوان الفرعى "تتبع سلسله الغذاء حتى العراق" Following the Food Chain Back to Iraq ...لاادرى ان كان هذا المقال- ادراسه قد ةرجم الى العرببه ام لا رغم اهميته.. فانا لم اجد اى إشاره اليه فيما اقرء بالعربيه ولكنى غير متابع بسكل منتظم فربما مر دون ان التفت اليه....امريكا هى المثال الانجح للزراعه الحديثه التى اصبحت صناعه تعتمد على الميكنه الكامله فى كل خطوات الزراعه من تمهيد للتربه لبذر الحبوب للحصاد فى النهايه آلات ضخمه عملاقه تسير كلها بالبترول ..وتستهلك الكثير منه ...مثلا الطاقه المستهلكه لزراعه ولحصاد فدان واحد من القمح فى المزارع الامريكيه الحديثه تساوى الطاقه الناتجه عن تفجير 3-4 طن من ماده TNT ..وبالتالى تستهلك ولايه آيوا وحدها مايساوى الطاقه الناتجه عن 4000 قنبله ذريه مماثله لتلك التى ألقيت على نجازاكى... وبحساب الكاتب هذايعنى ان انتاج سعر حرارى واحد من الزراعه باساليب الزراعه الحديثه يستهلك 10 سعرات حراريه تأتى من الطاقه الغير متجدد ه...البترول اساسا...والبترول عباره عن طاقه مخزونه استغرق تكوينها ملايين السنين.. نقوم الان بتبذيرها بما يسمى بالزراعه الحديثه.. مثلا لاسترداد خصوبه الارض المنهكه من جراء الزراعه الكثيفه نستدعى الاسمده الازوتيه.. الفدان الواحد يستهلك 5,5 جالون من الوقود سنويا... نحن كبشر نستهلك 40% من مجمل الانتاج النباتى للكوكب ثلثى مانستهلكه يأتى من 3 محاصيل اساسيه هى القمح والذره والارز تلك المحاصيل لانستطيع استهلاكها مباشره وكما هى بل لابد من معالجتها وكلما زادت تلك المعالجه زادت الطاقه المهدره معها... فصندوق "الكورن فلكس" الواحد يستهلك نصف جالون من البترول لتصنيعه ...وفى مجملها تستهلك صناعه تحضير الطعام فى امريكا 10 سعرات حراريه تأتى من البترول اساسا لانتاج سعر حرارى واحد من الطعام المجهز ......
***المحصول الثانى فى الاهميه هو الذره .. والذى اصبح غير قابل للاستهلاك الادمى المباشر ونتيجه "التحسينات" الوراثيه التى أدخلت عليه ...وبالتالى فثلثى محصول الذره الامريكى -الاولى فى الانتاج العالمى- يخضع لعمليه تصنيع مكثفه ..45 % من الناتج يتحول الى سكر.. وهوحجر الزاويه فى صناعه الغذاء الامريكيه.. ويتحول الى دهون وشحوم حول رقاب وقلوب الامريكان ...فالسمنه المفرطه وبالتالى امراض القلب والشرايين اصبحت وباء يقتل ملايين الامريكان سنويا وهى السبب الاول للوفيات هناك قبل امراض السرطان بانواعه وحوادث الطرق مجتمعين...***من ناحيه اخرى يتم تربيه الابقار والدواجن على الحبوب وهذا يستهلك 80% من الحبوب الامريكيه فحوالى %75 من اللحوم المستهلكه فى امريكا تأتى من المزارع الكبرى.. وعمليه تربيه اللحوم هذه تخضع لقانون العشره بالمائه بمعنى انك لو اكلت جزره واحده مثلا تستفيد من كل الطاقه الكامنه فيها فى حين لو اطعمتها لدجاجه ستقوم بدورها باستهلاك 90% من طاقه تلك الجزره وحين تأكل بعد حين تستفيد فقط من 10% من طاقه الجزره الاصليه ...وبحساب الكاتب فكل سعر حرارى واحد ناتج من لحوم البقر يستهلك 35 سعر حرارى من الطاقه و68 للسعر الحرارى الواحد من لحم الخنزير..الاتيه اساسا من البترول ...فاذا أضفنا لذلك الطاقه المفقوده فى نقل تجهيز وتبريد اللحوم نصل لرقم مفزع ...فقطعه الاستيك الوحده -200 جرام- رمز الرفاهيه الامريكيه والتى يستهلك الامريكى العادى العشرات منها كل عام تساوى تقريبا جالون كامل من البترول او أكثرمما تستهلكه أسره فقيره من دول العالم الثالث فى يوم كامل.( تلك المعلومه ليست فى نفس المقال ولكنى أخذتها من مقال أخر كاتبه نباتى يدعو لمنع اكل اللحم بانواعه)...المشكله ان العالم كله يتبع النموذج الامريكى فى تربيه الابقار والدواجن.. ففى مصرمثلا تحولت صناعه الدواجن الى اكبرمستهلك للحبوب وارتفعت نسبه الدواجن آكله الحبوب من 3 % فقط عام 1960 الى33% عام 2001 نفس الحال فى "المكسيك"... والان "الصين" تربى ربع ايقارها وخنازيرها بالاسلوب الامريكى.. آى ان العالم يأكل - وبشكل متسارع- البترول...فاذا اضفنا الى ذلك الكلفه المتزايده لاستخراج البترول ادركنا مدى وحجم المأزق التاريخى الذى يواجه الحضاره الانسانيه بمجملها ...ففى اربعينيات القرن العشرين كنا نستهلك برميل واحد من البترول لاستخراج 100 برميل.. الان وفى هذه اللحظه العائد من استثمار برميل واحد هو عشره براميل فقط .... ***المقال هام ومثير وماقمت به هنا من عرض نقدى إنتقائى لايغنى عن قراءته كاملا ... ولكنه محفز للتفكير.. فهناك مستويات مختلفه لفهم هذه الدراسه.. اولهم عام ومستقبلى عن المأزق التاريخى الذى يواجه البشريه بمجملها ..والذى يتنباء البعض بأننا كجنس بشرى سنواجه انهيار كامل للحضاره كما نعرفها هذا القرن ..وسنواجه إختيارات صعبه.. فالقارب لايتسع للجميع ..وعلينا التضحيه بمليارات البشر ليستطيع الجنس البشرى كنوع من الاستمرار..(أظن د."سمير أمين" لمس هذه المقوله فى محاضره له بالقاهره كمانقلها لى صديق نشط مع آجيج ) ..وعلينا ايضا تغيير اسلوب حياتنا بشكل جذرى.. مستوى آخر حالى ويمسنا الان فى هذه اللحظه ..وهو ان الامبراطوريه الامريكيه جائت لمنابع البترول لتبقى.. وعلينا ان نفهم ذلك بعمق ووعى فهم هنا لا لنشر الديموقراطيه ولا لمحاربه الارهاب هم هنا للحفاظ على مصدر غذائهم وتلك النقطه واضحه جدا لصناع القرار الامريكى ومنذ زمن بعيد..ففى عام 1948 قام "جورج كينان" George Kennan رئيس لجنه تخطيط السياسات فى الخارجيه الامريكيه نفس المنصب احتله "بيرل" احد اهم المحافظين الجدد قبيل غزو العراق...بوضع تقرير اصبح كلاسيكى الان دعا فيه لحمايه الرفاهيه واسلوب الحياه الامريكى بالقوه والسلاح ..وانهى ذلك التقرير بان اليوم الذى سنضطر لحمايه مصالحنا ليس بالبعيد .."The day is not far off when we are going to have to deal in striaght power concepts with these issues" فماذا نحن فاعلين
...!!!

2 comments:

Malek said...

د.ابو فارس
مقال مثير ودراسة ممتعة
الكلام في هذا الموضوع يذكرني بكلام الاقتصادي المكسيكي المعادي لفكرة ومفاهيم التنمية بالنمط الحداثي استيفا والذي يدعو الى نبذ التصنيع الباهظ التكلفة في الزراعة والعودة الى الاستثمار التقليدي وخاصة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية مثل مصر والمكسيك والهند الخ
و كتاب قاموس التنمية من تحرير فولفجانج ساكس يناقش هذه المفاهيم الاساسية في عملية التنمية من منظور ثقافي معرفي
ويوضح الاصل المعرفي العدواني الخفي الكامن خلف مفهوم في عملية اسميتها في دراسة خاصة "تقويض المفاهيم"
منشورة في كتاب موسوعة بناء المفاهيم من اصدار المعهد العالمي للفكر الاسلامي في القاهرة عام 1996
يعني يادكتور حلمك علينا شوية في ناس بتكتب في العالم العربي من منظور غير تقليدي و بتنشر وفيه ناس بتقرا وبتسمع
بس النمو غير واضح لعلو صوت الخطاب الآخر
على فكرة انا برضه ترجمت دراسة كاملة لفولفجانج ساكس كانت منشورة في مجلة الدولي الجديد
The new internationalist
عام 1994
ونشرت في كتاب فقه التحيز او اشكالية التحيز وهو من اهم الكتب التي صدرت بالعربية في العقد الماضي
من تحرير الدكتور عبد الوهاب المسيري
وشارك فيه العبد لله ومجموعة من العلماء والباحثين من شتى انحاء العالم العربي والاسلامي

يا دكتور دي مش دعاية ربنا يقينا شر الكبر والشهرة
بس هي مجرد محاولة توضيح لشخص اعتبرته صديق محترم في الواقع الافتراضي و احسست بتشاؤم رؤيته ويأسه بعض الشيء
يعني زي متقول كده بحاول انور عتمة لواحد صاحبي في شارع كحل مفيهوش قمراية باستخدام بطارية صغيرة
نورها ضعيف صحيح بس بتساعد
خالص تحياتي
اسامة

أبوفارس said...

د.أسامه أشكرك على المتابعه وأشكرك أكثر على المجامله...وياريتنى كنت عرفت بهذا المجهود أثناء زيارتى للقاهره كنت حصلت على هذه الدراسات واﻷصدارات للأستفاده...لاأشك لحظه أن هناك أصوات وعقول تعمل وتحاول الفهم أوﻻ والتغيير ثانيا...وقد قابلت البعض من زملاء الدراسه والنشاط الطلابى فى السبعينيات...فى مجموعه أجيج ومصريون ضد التمييز وغيرها...ولكن الصوره العامه تبعث على "التشاؤم"...أن صح هذا التعبير فى فهم أى مجتمع..ماأقوله ببساطه أن الوضع اﻷجتماعى فى مصر غير قابل لمواجهه تحديات هرقليه على الصعيد الداخلى والخارجى...والمطروح من رؤى..او ماتحمله فئات أختماعيه مفروض تقود المختمع من "أيدولوجيات" ﻻ يصلح بالعكس يعمق اﻷزمه...والخروج من هذا الوضع سيكون من خلال صدمه عنيفه ولكنها ضروريه...وعلى من يملكوا لعنه البصر والبصيره مثلنا أن يجلسوا وينتظروا ويأملوا اللطف