Tuesday, November 07, 2006

تجربه فى اﻷستماع

يعتبر الفن فى كافه أشكاله من أهم مميزات اﻷنسان كنوع.. وفارق أساسى بيننا وبين باقى الانواع.. وتعد الموسيقى قمه اﻷبداع الفنى.. وعلى قمه أنواع الموسيقى تأتى الموسيقى الكلاسيك بتجريدها وتعقيد بنيتها وعمقها كدليل على تفردنا كبشر.. والأستماع الحقيقى ﻷى عمل كلاسيكى عمليه مركبه.. تتعانق فيها ملكات التذوق مع الفهم والوعى بتاريخ العمل الفنى.. فالموسيقى الكلاسيك ليست مجرد" تطريب "أو مداعبه للغرائز -بمعناها الواسع -ولكنها عمل عقلانى مرهق.. ومن كافه أشكال الموسيقى الكلاسيك يأتى الكونشيرتو -حيث تتحاور آله موسيقيه مفرده مع باقى الاوركسترا -فى نظرى- كأجمل وأكمل هذه اﻷشكال ..أيا من الكونشرتات الجيده هو تعبير رمزى عن محاوله الأنسان المستمره فى الوصول الى الكمال ينجح أحيانا.. ويفشل فى معظم الأحوال.. ولكن يبقى دائما التقدير للجهد والأعجاز البشريان ...واضعا هذا فى خلفيتى أتاحت لى الظروف هذا العام حضور اثنان من أهم وأجمل اﻷعمال الموسيقيه التى أبدعتها عبقريتان موسيقيتان...لى ولزوجتى مقاعد موسميه فى مركز الفنون القومى هنا فى أوتاوا-كندا (حاجه كده زى اﻷوبرا )عندنا وﻷن العالم يحتفل بموتسارت هذا العام فقد أخترنا معظم الكونسيرات التى تقدم فيها أعمال هذا العبقرى... حتى سألنى صديق كندى من أصل روسى أن كنت سأحضر كونسير بعينه فأجبته "ﻻ ﻷن هذا الكونسير يحتوى على أعمال ل "هيدن" "وباخ" ورغم تقديرى الخاص ألا أنى أفضل التركيز على "موتسارت" هذا العام فنصحنى بالحضور ﻷن "فاديم ريبن" سيعزف شوستاكوفيتش قالها بثقه وبأبتسامه عريضه.. لم أعرف ساعتها من هو العازف ولكنى ماكدبتش خبر وحصلت على مقعدان محترمان لنا ولم أندم ..
المؤلف" ديمترى شوتاكوفيتش" مواليد "بترسبرج "١٩٠٦ توفى فى "موسكو" ١٩٧٥ من أهم مؤلفى الموسيقى فى الأتحاد السوفيتى السابق وظل طوال حياته تحت تهديد الفهم الضيق لمعنى الفن والواقعيه التى فرضها "ستالين" على الحياه الفنيه أيامها... فالموسيقى يجب أن تكون سهله.. بسيطه فى متناول الجماهير.. تحض على العمل.. متفأله سعيده مليئه بتيمات البطوله والتضحيه ..وﻻحاجه من اﻷوهام دى لها علاقه بالكونشيرتو رقم واحد للكمان واﻷوركسترا موضوع حديثنا والذى قام بعزفه واحد من أهم عازفى الكمان فى العالم حاليا..."فاديم ريبن" مواليد سيبريا ١٩٧١ بدء العزف فى سن الخامسه وقدم أول كونسيرت له فى موسكو فى سن الرابعه عشر يعزف مع أهم أوركسترات العالم ويهتم بشكل خاص باﻷعمال المعاصره وتقديرا لعبقرته وقدراته قدمت له اوركسترا "جنوا" كمان "باجانينى" الخاصه ليعزف عليها أحد أعمال ساحر الكمان اﻷيطالى وهو شرف لم يحصل عليه سوى حفنه من البشر....الكونشرتو عميق جدا وحزين يغترف من أعماق المؤلف وروحه الحساسه وبالطبع ﻻعلاقه له بمواصفات بيروقراطى الحزب ولذلك أخفاه حتى بعد موت" ستالين" ليقدمه لصديقه عازف الكمان" دافيد اويستراخ" وليكن أول أداء علنى له فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٥ -واخد بالك من التاريخ-..الكونشرتو غير تقليدى فى البناء اوركسترالى المنحى.. شاكسبيرى الروح ان صح التعبير بعد دقبقتان لاأكثر من بدء العزف حل صمت مهيب على القاعه ..القدره الفائقه الواضحه للعازف والبدايه الطويله الحزينه للحركه اﻷولى وكأنها رجل يبكى فى الظلام أناخت على الجميع.. وظلت تتصاعد بهدوء ووقار حتى وصلت قمتها قرب نهايه الحركه ثم يعود العازف بقدره فائقه لترديد النغمات اﻷولى بضربتى قوس ﻻغير...الحركه الثانيه عميقه يقوم العازف فيها بمعظم العمل واﻷوركسترا من ورائه كتأكيد وتعميق ﻷنغامه هنا تتبدى مهاره العازف الفائقه وعمق فهمه للمؤلف وهنا بكيت -ولم أكن وحدى- مابين اﻷعجاب الشديد بالعازف للتأثر اﻷشد بعمق الشجن النبيل فى الحركه لم أملك ألا دموع لتحتضنى زوجتى برقه وفهم ورغم ديناميكيه الحركه الثالثه الا أن المؤلف يعود مستعينا بمهاره العازف ليذكرك باللحن اﻷساسى للحركه اﻷولى ولثوانى وكأبه ينعى البشر والبشريه ..ﻻأنا وﻻغيرى يستطيع تحويل موسيقى الى كلمات.. ولكنى أقصى ماأستطيع نقل لمحه من اﻷحاسيس التى تجتاح النفس حين تستمع بحق وعمق ورغبه فى الفهم لمثل هذا العمل العميق.. فلوكنت من مستمعى الموسيقى الكلاسيك أعمل فى نفسك معروف وأبحث عن كونشرتو رقم واحد للكمان واﻷوركسترا تأليف" سوتاكوفيتش "وحبذا لو وجدت "فاديم" أو اﻷفضل "أويستراخ "كسوليست ...أستمع له فى ضوء خافت وحدك أو مع ناس بتفهم ..ستطهر روحك وتثريها وتزيد من فهمك لمعنى الحزن النبيل...

2 comments:

Ossama said...

استاذ ابو فارس تحياتي القلبية
ياريت تسمع كمان سيمفونية لنينجراد لشوستاكوفيتش
رائعة

أبوفارس said...

د.أسامه أشكرك على المتابعه والتعليق سمعت السيمفونيه منذ سنوات وأحتاج أن أسمعها مجددا ﻷعيد النظر فيها...أعجبتنى أيام الشباب وﻻأدرى اﻵن ماذا سيكون رد فعلى....